ملاحظات المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا السيد جير أو بيدرسن إلى وزراء خارجية جامعة الدول العربية

4 مارس 2020

ملاحظات المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا السيد جير أو بيدرسن إلى وزراء خارجية جامعة الدول العربية

أصحاب السمو، وأصحاب السعادة، السيد الرئيس، والسيد الأمين العام، والأصدقاء الأعزاء: أشكركم على إتاحة الفرصة لي لتقديم إحاطة لكم بشأن التطورات في سوريا والجهود التي أبذلها لتيسير التوصل إلى حل سياسي. إنه لشرف لي أن أكون هنا، بين العديد من الأصدقاء. فلن نتمكن من التصدي لهذا التحدي الهائل إلا معاً. إذ دخل النزاع في الجمهورية العربية السورية عامه العاشر.

 

لقد عانى السوريون من العنف والموت والإصابات والنزوح والدمار وتراجع التنمية والحرمان على نطاق واسع – ولا تزال هذه المعاناة مستمرة إلى هذا اليوم. وقد نزح نصف السكان من ديارهم. فيما تستضيف الدول المجاورة لسوريا – لبنان والأردن والعراق وتركيا – السوريين الذين نزحوا بالملايين، وكذلك الحال بالنسبة لبلدان أخرى في المنطقة وخارجها. ويهدد النزاع السلم والأمن الإقليميين والعالميين – كما نشهد من جديد اليوم.

 

وببساطة، فإن الطريق للخروج من الحرب إلى السلم وعر للغاية. فلا توجد ثقة كبيرة كافية للمضي قدماً، وليس هناك إرادة سياسية كافية للقيام بذلك. فسوريا تعاني من انقسامات سياسية عميقة، واحتياجات إنسانية مهولة، وتحديات اقتصادية تتزايد في حدتها.

 

كما لا تزال الجماعات الإرهابية المحظورة دولياً تشكل مخاطر مستمرة.

 

فإن لم يتم ترسيخ عملية سياسية ذات معنى، سيشكل سيناريو "اللا حرب واللا سلم" خطراً حقيقياً للغاية على الأمد المتوسط، حيث ستواجه سوريا وكذلك السوريون داخل البلاد وخارجها مستقبلاً مظلماً وغير واضح، مع عواقب إقليمية وخيمة.  

 

وبدلاً من ذلك، ينبغي أن يتمثل هدفنا المشترك في تحقيق الاستقرار في سوريا، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين بشكل طوعي وكريم، وتوفير مستقبل أفضل لجميع السوريين.

 

ومع ذلك، يتمثل الخطر المباشر في الواقع في المزيد من التصعيد والمزيد من الحرب، ومعهما مزيد من الموت والنزوح – كما نرى ي إدلب. فما انفك المدنيون في إدلب يواجهون لأشهر ضربات شديدة من الجو والأرض على حد سواء، مما تسبب في موجات ضخمة من النزوح المدني والخسائر في أرواح المدنيين. حيث نزح ما يربو على 000 900 شخص منذ 1 كانون الأول/ديسمبر. وتشكل النساء والأطفال معاً 81 في المائة من السكان الذين نزحوا حديثاً. ولا تزال البنية الأساسية المدنية، بما في ذلك المرافق الطبية والمدارس، تتعرض للأضرار والتدمير.

 

وتعد الأزمة الحالية من أسوأ الأزمات التي واجهتها سوريا منذ بدء النزاع. فإدلب هي المكان الذي لجأ إليه 3 ملايين مدني، من ضمنهم أولئك الذين يخافون العيش تحت حكم الحكومة. وهي المكان الذي لا يزال يوجد فيه المقاتلون الرافضون للمصالحة مع الحكومة السورية. كما أنها المكان حيث تشكل هيئة تحرير الشام وغيرها من المنظمات الإرهابية التي حددها مجلس الأمن قوة رئيسية، حيث استمرت في ارتكاب أعمال عنف ضد الحكومة السورية وحلفائها وضد المدنيين.

 

وبالنسبة للحكومة السورية، هي منطقة خارجة بشكل غير مقبول عن سيطرة الدولة وتقع تحت التأثير الأجنبي فيما يعد انتهاكاً لسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها. كما أن إدلب هي مكان اتفقت روسيا وتركيا على اعتباره منطقة تهدئة. وهي الآن، اليوم، منطقة تشهد صداماً مباشراً بين الحكومة السورية والقوات التركية – ما يعد تحولاً مقلقاً في طبيعة النزاع. ولقد قمنا أنا والأمين العام بالمناشدة من أجل وقف فوري لإطلاق النار في شمال غرب سوريا.

 

ويجب أن تحترم العمليات العسكرية، بما فيها التي يتم شنها ضد الجماعات المحددة وتلك التي تشنها هذه الجماعات، القانون الإنساني الدولي الذي يشمل حماية المدنيين والبنية الأساسية المدنية ومبدأ التناسب.

 

وغداً، سيلتقي الرئيسان بوتين وأردوغان في موسكو. وأنا على يقين من أنكم تنضمون إلي في حثهم على إيجاد حل دبلوماسي فوري من شأنه تجنيب المدنيين المزيد من المعاناة، وضمان بعض الاستقرار، وتعزيز التعاون عوضاً عن المواجهة بشأن التحديات في إدلب، وإيجاد ظروف أكثر مواءمة للعملية السياسية.

 

ولكن وكما نعلم جميعاً، فإن التحديات ليست في إدلب فقط. إذ لا تزال مخاطر وقوع مواجهة دولية أوسع نطاقاً قائمة بوجود خمسة جيوش دولية نشطة داخل سوريا. وبالفعل، فالتقارير التي أفادت عن تعرض دمشق لصواريخ أوائل شباط/فبراير، نسبها الإعلام السوري إلى إسرائيل، ما هي إلا تذكرة لنا جميعاً بأن خطر المواجهة الدولية حاد في جميع أرجاء سوريا. ولا يزال الخطر الدائم المتمثل في عودة ظهور داعش قائماً.

 

وفي خضم هذه المأساة، تتمثل ولايتي، التي نص عليها قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، في العمل مع الحكومة السورية والمعارضة السورية لعقد مفاوضات رسمية من أجل التوصل إلى تسوية سياسية. ولقد سعيت إلى وضع خمس أولويات.

 

أولاً: بناء مشاركة عميقة مع الحكومة السورية والمعارضة.

 

ثانياً: تكثيف المشاركة مع طيف واسع من السوريين، بمن فيهم النساء – اللاتي يؤدين دوراً حيوياً في العملية وينبغي أن يشاركن مشاركة كاملة – والمجتمع المدني. وأنا أضع هذا الحوار موضع الأولوية، لأن الأطراف والمجتمع السوري الأوسع نطاقاً لا يزالوا يفتقرون إلى الثقة في بعضهم البعض. ويجب على الأقل أن يثقوا في الوسيط، وأن يكونوا على استعداد للاستكشاف معنا سبل المضي قدماً. ولكن، وبالطبع، التحديات مهولة. فلا تزال الحكومة تشك في أنه سيتم بذل محاولات لتحقيق ما لم يتم تحقيقه عسكرياً بالوسائل السياسية. وهي تدعو إلى رفع العقوبات وإعادة الإعمار. ولا تزال المعارضة تشك في عدم وجود استعداد حقيقي من جانب الحكومة لأي تسوية سياسية مجدية لمعالجة المظالم العميقة. ويفتقر السوريون العاديون في الداخل والخارج إلى الأمل في أن العملية السياسية يمكن أن تترسخ أو توفر لهم ولأسرهم ولبلدهم مستقبلاً أفضل. فالانقسامات الداخلية تتفاقم بفعل الانقسامات الإقليمية والدولية – وهي انقسامات تبدو الآن أعمق من أي وقت مضى.

 

وهذا يقودني إلى أولويتي الثالثة: تيسير التوصل إلى اتفاق بشأن – وبدء أعمال – لجنة دستورية بقيادة سورية وملكية سورية وبتيسير من الأمم المتحدة في جنيف من شأنها أن تبدأ حواراً سورياً-سورياً، وتفتح الباب تدريجياً أمام عملية أوسع نطاقاً. لقد انعقدت اللجنة الدستورية مرتين في جنيف. سار الاجتماع الأول بشكل جيد جداً، ولكن الثاني تعطل بسبب خلافات حول جدول الأعمال. ومن المهم الآن أن يتفق الرئيسان السوريان المشاركان بشأن جدول أعمال يتسق مع الولاية المتفق عليها، ويمضي بنا قدماً في المناقشات حول الدستور. ويحدوني الأمل بأن نصل قريباً إلى موقع يمكننا من الدعوة مرة أخرى إلى انعقاد اللجنة الدستورية في جنيف. ولكن هذا يتطلب إرادة سياسية. وبطبيعة الحال، فإن اللجنة الدستورية لن تحل النزاع. ولكن، آمل أنه في حال تم التعامل بحكمة فإنها ستكون مدخلاً إلى جوانب أخرى من العملية السياسية بحسب ما هو منصوص عليه في 2254.

 

وتتمثل أولويتي الرابعة في استكشاف كل السبل الممكنة لتأمين الإفراج عن المعتقلين والمختطفين، واتخاذ الخطوات اللازمة لتوضيح مصير الأشخاص المفقودين من قبل جميع الأطراف وعلى نطاق كبير. وأرى أن هذا تدبير حيوي لمعالجة قضية مأساوية تمس كل الأسر السورية تقريباً. وأعتقد أن اتخاذ إجراء حقيقي بهذا الشأن يمكن أن يرسل إشارة ببداية جديدة نوعا ما. ويؤسفني أننا لم نحرز أي تقدم إضافي.

 

وتتمثل أولويتي الخامسة في تعزيز تعاون دولي أعمق بشأن سوريا. فبدون ذلك، لن يكون بالإمكان إحراز تقدم.

 

وللأسف، فإن مجلس الأمن ليس موحداً، والدول التي تجتمع بشأن سوريا في أستانا وتلك التي تجتمع كمجموعة مصغرة لم تجد بعد سبيلاً للعمل معاً بطريقة يمكنها أن تساعد في فتح الباب أمام إحراز التقدم. ولا تزال الجهود الرامية إلى عقد تشكيلات مختلفة مستمرة، ولكن الأمر الأهم هو الجوهر، وكيف يمكن للتعاون الدولي أن يدعم عملية جنيف.

 

ومن شأن اتباع نهج خطوة-مقابل-خطوة بالاستناد إلى إجراءات متبادلة يتخذها السوريون والشركاء الدوليون أن يكون إحدى طرق المضي قدماً. وستكون هذه الإجراءات إجراءات تخلق دوائر إيجابية تعزز الثقة وتتقدم تدريجياً نحو تحقيق القرار 2254. ويحدوني الأمل في أن تتمكن جميع البلدان العربية من المساهمة في هذا الجهد، فردياً وجماعياً. فإن دعمكم في المساعدة على تشكيل مستقبل إيجابي للشعب السوري وتنفيذ القرار 2254 هو مسؤولية جماعية. فسوريا الآن ما هي إلا مرادف لفشل المجتمع الدولي في إنهاء العنف أو حتى مجرد احتوائه، وفي القيام بما هو لازم لضمان أن يسلك السوريون مساراً سياسياً.  

 

وهناك حاجة ماسة لأن تقوم الأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية بوضع مصالحها المشتركة في اعتبارها .... والتركيز على مسار مشترك للمضي قدماً ... وأن نسترشد بإنسانيتنا المشتركة. دعونا نعمل من أجل اليوم الذي يتم فيه استعادة سيادة سوريا ووحدتها واستقلالاها وسلامة أراضيها بشكل كامل، ويتمكن الشعب السوري من تقرير مستقبله، على النحو الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن 2254.

 

شكراً.